إن لم تسمعني حياً فلا تزر قبري ميتاً فهذي رفاتي التي قد نقشتُ عليها ذكرى ماضٍ أليم كمضي عمري وحاضرٍ لي فيه مصيرين إمّا أن أكون أنا الذي في داخلي فأصبح مسخاً في عيون الآخرين
أو أن أموت تضرعاً وفي ذلك رحمةً للعالمين هذي كلماتي أخطها بدمي ودمعي فإن كان لايهمك أمري فلا تحزن لي ولاتقسو بل ترحّم فإن الموت لهو آخر صبري ..............................

27 سبتمبر 2010

دوافع عمليات تغيير الجنس: أهواء شاذة أم مشكلات فيزيولوجية حقيقية ؟؟

 روح رجل في جسد أنثى وبالعكس ....
 
في الوقت الذي أصبحت فيه بعض دول العالم تتبنّى قضية من يعانون من اضطراب الهوية الجنسية، بل وتعترف بالمتحولين جنسياً وتتعامل معهم على أساس جنسهم الجديد، لا يزال مجّرد طرح هذا الموضوع في البلاد العربية محظوراّ لأسباب دينية واجتماعية وقانونية. وتعد أزمة الهوية الجنسية بمثابة اضطراب نفسي وتعتبر من الاختلالات النفسية الحادة التي تعيق المصاب عن تمثّل هويته الجنسية الحقيقية مما يدفعه لتبنّي الهوية المخالفة، وهو من الأمراض القديمة إذ عرف المرض منذ عام (1949). كما أنه لا يقتصر على منطقة جغرافية محددة أو على أبناء ثقافة معينة، وشأنه شأن أغلب الأمراض النفسية يتعلّق بأبعاد كثيرة كالوسط الاجتماعي ومستوى وعي المجتمع بهذا المرض.

وعرّف الطب هذا المرض بأنه: خلل عضوي في الدماغ يمنح الشخص شعوراً بأنه يعيش في الجسد الخاطئ، وبأنه ينتمي للجنس الآخر، مع العلم بأنه ليس من الضروري لفاقد الهوية الجنسية أن يتمتع بالمظاهر الشكلية للجنس الآخر الذي يظن أنه ينتمي له. فالمشكلة بالنهاية لا تتعلّق بنقصان أو زيادة نسبة هرمونات الذكورة أو الأنوثة، إنما الموضوع برمته يرتكز على آلية تفكير الدماغ الذي يحدد جنس الإنسان، والذي يبدأ مع مرحلة الطفولة الأولى. وهنا لا بد من التنويه إلى الفرق بين فاقد الهوية الجنسية والشاذ جنسياً، فالشاذ هو شخص مقتنع تماماً بجنسه، ولا يريد بأي حال من الأحوال تغييره ليكون من الجنس الآخر، وليس لديه أي مشكله في هويته الجنسية، إنما مشكلته كلها في التوجه الجنسي نحو الجنس المشابه له.

أما فاقد الهوية الجنسية فهو يشعر بأن جنسه مختلف عما هو موجود عليه فعليا ً، والمشكلة هنا ليست في التوجه الجنسي وإنما في الهوية الجنسية، وهي حالة مرتبطة بتعريف المخ لجنس الشخص، وهذا الشخص كل ما يريده أن يتطابق جنس جسمه مع جنس دماغه حتى يتمكن من العيش متصالحاً مع نفسه.

روح رجل في جسد أنثى:

تروي (أم خالد) قصتها، فتقول مذ كنت في الثامنة من العمر شعرت بأني أنتمي لعالم الذكورة، وأخبرت أمي بذلك فما كان منها إلا أنها ضربتني لتقنعني بأني أنثى. وعندما بلغت السابعة عشرة سارع أهلي لتزويجي ظناً منهم بأنهم قد يتخلّصون من هذه المشكلة، إلا أنهم كانوا على خطأ فمشكلتي تفاقمت بشكل كبير بعد الزواج خاصة وأن زوجي كان يتعامل معي بأسلوب قمعي لعدم فهمه لحالتي، وكان حلمي في تلك المرحلة أن أحصل على الطلاق، وفعلاً حصلت عليه ولكن للأسف بعد ثلاثة أطفال. وأول خطوة قمت بها بعد طلاقي هي البحث عمّا يحقق هويتي الذكرية، فأنا لم أتوقف عن التفكير بأني أملك روح رجل في جسد أنثى، وخاصة بعد أن سمعت عن عمليات تحويل الجنس، أردت بشدّة تغيير جنسي إلى رجل، وفعلاً أجريت العملية بعد أن جمعت المبلغ المطلوب، ولأول مرة أشعر بعدم التناقض بين شكلي الخارجي وما أشعر به من رجولة. لكن من أبرز المشكلات التي عانيتها بعد العملية هي مشكلة أولادي الذين فقدوا الأم بعد أن أصبحت الأب الثاني لهم.

في البحث عن الأسباب:

الدكتور عدنان الشبلي، الاختصاصي بجراحة التجميل والجراحة المجهرية الترميمية يقول: (بالرغم من الدراسات الكثيرة حول هذا الموضوع، إلا أن العلم لم يتمكن حتّى الآن من تحديد سبب واضح وراء هذا الخلل في الدماغ المسبب لأزمة الهوية، إلاّ أنه من المؤكد أنه ناتج عن خلل ما في تركيب الهوية الجنسية للإنسان، وللعلم فإن الهوية الجنسية في الإنسان تتحدد بعدة عوامل هي:

1- التركيبة الكروموسومية (Chromosomal Sex): الذكر (64Xy) والأنثى (64XX)، فإذا حدث خلل في هذه التركيبة ينشا على أثره خلل في التركيبة الجسدية والهرمونية.

2- الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات (Gonadal Sex): الخصيتين والمبايض والغدة فوق الكلوية. وهناك دراسات تفترض بأن تعرض مخ الجنين لمستويات معينة من الهرمونات سواء الموجودة في دم الأم أو التي تفرزها غدده الصماء يؤثر في تحديد هويته الجنسية وميوله.

3- شكل الجسد (Body Sex): فالذكر له تركيبة جسدية تختلف عن الأنثى وذلك من حيث الجهاز العظمي والجهاز العضلي وتوزيع الدهون والشعر في المناطق المختلفة من الجسم.

4- الأعضاء الجنسية (Organ Sex): الذكرية والأنثوية.

5- التكوين النفسي (Psychological Sex): وهو ينشأ عن التربية وتدعيم البيئة المحيطة بالطفل للهوية الجنسية سواءً كانت ذكرية أو أنثوية، فمثلاً بعض الأسر التي تفضل الذكور قد تنمي الصفات الذكرية في إحدى بناتها، وقد تلبسها ملابس ذكور وتقص شعرها كما الأولاد، وربما تناديها باسم ذكوري، فتنشأ هذه البنت ولديها ميول ذكورية وتتشكل أدوارها الاجتماعية على هذا الأساس. كما أن التكوين النفسي والجنسي يتأثر بالعلاقة بالأبوين فقد يكره الطفل أحد الأبوين ويتوحد بالآخر فتتشكل هويته الجنسية تبعاً لذلك.

إذاً فتفاعل هذه العوامل مع بعضها هو الذي يعطى الهوية الجنسية، وفي الغالبية العظمى للناس تتضافر هذه العوامل في اتجاه مشترك لتعطى الهوية الجنسية المحددة (ذكراً أو أنثى)، ولكن في بعض الحالات قد تتنافر هذه العوامل أو تتصارع فتؤدى إلى حالة من الانشقاق بين الجسد والنفس فقد يكون الجسد جسد أنثى ولكن التركيبة النفسية تنتمي لعالم الذكورة، وهنا يحدث ما نطلق عليه حالات اضطراب الهوية الجنسية، وأشهرها حالة (Transsexuals)، وفيها يكون الجسد مكتمل الأنوثة مثلاً من الناحية التركيبية ولكن المشاعر تنتمي لعالم الذكور أو بالعكس.

ومن المعروف أن أكثر طالبي التحول الجنسي هم من الرجال بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف من يطلبون التحول من النساء، والسبب في ذلك هو أن الجنين في الأصل يكون أنثى ثم يحدث التغير في الرحم بسبب التعرض لهرمونات الذكورة في مرحلة من مراحل النمو.

ومعدل وجود اضطرابات الهوية الجنسية تكون أكثر لدى الذكور - كما ذكرنا - حيث تبلغ النسبة واحداً في كل ثلاثين ألفاً مقارنة بالإناث حيث تبلغ النسبة لديهن واحد لكل مائة ألف.

وهناك حالة مختلفة عن الحالة الأولى وهي: (Intersex) حيث أن المولود تكون أعضاؤه التناسلية مختلطة، بمعنى أن فيها بعض معالم الذكورة وبعض معالم الأنوثة، وهنا يقوم الجراح بفحص الحالة وتحويلها إلى الجنس الأكثر ظهوراً من الناحية التشريحية وليس في ذلك مشكلة طبية أو شرعية خاصة إذا تمت تلك العملية في سن مبكر قبل أن يتحدد الدور الاجتماعي ويتأكد.

وفى الدول الغربية التي تسمح قوانينها بإجراء مثل هذه العمليات، وهناك احتياطات لابد وأن تسبق هذه العملية؛ منها أن الجراح يقوم بفحص الحالة جيداً ليتأكد من التركيبة التشريحية ومن النشاط الهرموني، ثم بعد ذلك يضع الاحتمالات أمام المريض، فإذا أصر الأخير على إجراء عملية التحول فإن الطبيب الجراح لابد وأن يحوله لطبيب نفسي ليظل تحت التقييم والعلاج لمدة عام، وذلك لاستبعاد أن تكون الرغبة في التحول لها علاقة بأي اضطرابات نفسية أو مشكلات في العلاقات الاجتماعية أو تكون مجرد رغبة عابرة ربما تتغير مع الوقت. فإذا أصر الشخص بعد هذه الفترة على رغبته في التحول فإنه يعطى هرمونات لتغير شكل الجسم إلى الجنس الذي يرغبه، ويطلب منه أن يعيش في المجتمع لمدة عام بالهوية الجنسية التي يرغبها، فإذا نجح في ذلك ورأى أنه متوافق بهذه الهوية الجديدة يبدأ الجراح في ترتيبات إجراء العملية الجراحية بعد أن يشرح للمريض بالتفصيل عوامل النجاح والفشل في تلك العمليات حيث أنها عمليات صعبة ولها تداعياتها الكثيرة، فعلاج الهرمونات له مخاطره من حيث زيادة نسبة الدهون في الدم (مثلاً)، كل هذا علاوة على احتمالات الفشل في تبني الدور الجديد في المجتمع، خاصة في المجتمعات التي ترفض هذا الأمر وتستهجنه. باختصار فإن عملية التحول الجنسي تمثل تغييراً جذرياً ًفي تركيبة الجسد. ويؤكد الدكتور الشبلي على ضرورة متابعة الآباء لسلوك أولادهم لأن اكتشاف المرض في أعمار مبكّرة يسهّل عملية المعالجة.

من الناحية النفسية:

الدكتور غاندي فرح اختصاصي الأمراض النفسية يقول بأن بين كل (10) مرضى يترددون على العيادات الخاصة بالتحوّل الجنسي، نجد حالة واحدة هي التي تتطلب إجراء العملية، أما باقي الحالات فتكون نوعاً من الاضطراب النفسي الذي يؤلّف فيها المريض قصصاً وهمية ليقنع الطبيب بضرورة إجراء العملية له. لذلك فمن اللازم أجراء الاختبارات النفسية الدقيقة لهؤلاء المرضى قبل إجراء أي جراحة.

وهذه الحالات تثير الكثير من الجدل فبعض الأطباء يرون بعض المرضى يعانون معاناة شديدة ويحتاجون فعلاً إلى حل ولا يوجد حتى الآن دواء يساعدهم على قبول جنسهم، وبعضهم يرى أن عمليات التحول ليست هي الحل خاصة من يعرفون تداعياتها وتأثيراتها من الناحية الطبية والنفسية والاجتماعية، إضافة إلى أن التشريعات والقوانين في الدول العربية والإسلامية والفتاوى الدينية التي تمنع إجراء عملية التحول الجنسي.

وأصحاب المشكلة ينقسمون إلى قسمين: قسم ميسور مادياً بحيث يحقق مطلبه في خارج بلده بإجراء العملية ثم يأتي إلى بلده ويضع الجميع أمام الأمر الواقع ويتزوج، وقسم آخر فقير يستسلم لظروفه أو يحاول طرق أبواب العلاج لدى التخصصات الطبية المتاحة له، أو يتمرد ويعيش كما يحلو له.

وهذه الحالات تشكل أزمة لصاحبها، حيث يكون مطلبه الوحيد هو إجراء جراحة التحول الجنسي على أمل أن يعيش الدور الجنسي الذي يرتاح إليه، وذلك لأنه يكره جسده الذي يتنافر مع هويته الجنسية النفسية وتتولد لديه حالة من الرفض للجنس الذي ينتمي إليه الجسد إضافة للضيق والنفور من الدور الجنسي الذي يفرضه المجتمع عليه والرغبة الملحة في التحول للجنس الآخر.

ولا يوجد في الوقت الحالي علاجات دوائية أو نفسية يصفها الطبيب لحالات اضطراب الهوية الجنسية فتشفى وتكف عن طلب التحول، ولكن العلاج يمكن أن يساعد الشخص في مواجهة مشكلاته النفسية والاجتماعية وأن يحاول التكيف مع ظروفه، ويمارس نشاطات حياتية شبه طبيعية حتى لا يظل أسيراً لكراهية جنسه ولرغبته الملحة في التحول.

وبالمناسبة فالأشخاص الراغبون في التحول الجنسي يكرهون إحالتهم للطبيب النفسي، وذلك لاعتبار أنفسهم بأنهم ليسوا مرضى نفسيين، وأيضاً لأنهم يخشون أن يحاول الطبيب النفسي إقناعهم بقبول الدور الجنسي المتفق مع تركيبتهم الجسدية، فهم لا يرغبون إلا في إجراء العملية الجراحية.

مسؤولية الأهل:

وترى الدكتورة حياة سعد اختصاصية طب الأسرة بأن اضطراب الهوية الجنسية مرتبط بأحداث الحياة ما بعد الولادة، كتأثير الأب في السنوات الأولى من عمر الطفل خاصّة عند الذكور كمثال وقدوة في السلوك، فغياب الأب يؤدي إلى فقدان النموذج الذكري في حياة هذا الطفل وبالتالي التعلق الزائد بالأم وبصفاتها الأنثوية يؤدي إلى الخلل. كذلك فإن الثقافة تفرض أدواراً جنسية مقبولة اجتماعياً، فلا يتوقع من الذكور أن يكونوا مخنثين ولا من الإناث أن يكنّ ذكوريات، وحقيقةً فإن هذه الثقافة تلعب دوراً هاماً في حياة الطفل ويجدر بالأهل أن يدعوا أبناءهم لممارسة الدور المتوقع منهم وألا يفرطوا في دلال أبنائهم وبخاصّة الصبية كأن يبقوهم في المنزل خوفاً عليهم من اللعب مع الأولاد أو أن يلبسوهم زى الفتيات كنوع من التمييز والدلال، فهذه الممارسات مضرّة بحياة الطفل وغالباً ما تجعله يتبنّى هذا الدور لبقية حياته. كذلك يجب الانتباه للأبناء في عمر المراهقة، فكما هو معروف في هذا العمر يبدأ المراهق بالانجذاب إلى الجنس الآخر، وهذا أمر طبيعي أما إذا كان ينجذب بشكل أكبر نحو أبناء جنسه فهنا لا بد من عرضه على اختصاصي.

المشكلة قائمة:

وفي النهاية مهما كانت الأسباب وراء هذا المرض وأياً كانت أساليب علاجه لا بد من التركيز على البعد الإنساني لقضية اضطراب الهوية الجنسية وتسليط الضوء على المعاناة النفسية للأشخاص المصابين به، خاصّة وأن هذه الظاهرة لم تأخذ حقّها من البحوث والتغطيات الإعلامية العربية بسبب عدّة عوامل لعلّ أهمها ارتباطها بمنظومة القيم الاجتماعية والدينية ومواقفها السلبية تجاه هذه القضية، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تتعاطى مع هذا الموضوع بنوع من تسلية المتلقي بفلان صار فلانة أو هي تحولت إلى هو مهملة بذلك معاناة هؤلاء الأشخاص.

إذاً فما زلنا أمام مشكلة تحتاج من الأطباء إلى مزيد من الجهد وتحتاج من المجتمع إلى مزيد من الوعي وتحتاج من المرضى إلى مزيد من الصبر حتى لا يكون الخروج منها وقوعاً في مشكلات أكثر تعقيداً.

 نرجس جربندة – ابيض واسود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق